المسؤولية الطبية في القانون المغربي

مهنة الطبيب من اسمى المهن، وتختلف عن اي مهنة اخرى لان العلاقة القائمة بين الطبيب ومريضه هي علاقة انسانية واخلاقية بالدرجة الاولى, كما ان مهنة الطبيب نظراً لقداستها وطبيعة عمله القائمة على علاج المرضى ومساعدتهم وغيرها كانت عوامل تجعل الافراد ينظرون الى مهنة الطب بنبل واحترام شديد.

لم يتم تحديد المسؤولية الطبية بشكل دقيق من قبل المشرع, بل تم بناء المسؤولية الطبية على اساس الخطأ والضرر وقيام العلاقة بينهما.

بظهرت بعض الحالات التي اصبحت تزداد عدداً سنة بعد سنة والتي توجد اما في المستشفيات والمصحات الطبية الخاصة تشهد مجموعة من الاخطاء الطبية, بعض منهم يخرج بشكل جثة هامدة, والاخر يصاب بعاهة , واخرون يصابون باضرار تفوق خطورتها ما ارادوا معالجته منذ البداية, واذا كان البعض قد تسنت له فرصة اقامة دعاوي قضائية بسبب ما واجهه من الاخطاء الطبية, فما زال هناك الكثير من الحالات الطبية تحت غطاء الاخفاء.

المسؤولية الطبية في القانون المغربي

الخطأ الطبي

العمل الطبي هو العمل الذي يتبع في طريقه القواعد المقررة في علم الطب، ويتجه بهدف شفاء المرضى او تخفيف حدة المرض او تخفيف الالام, كما ان اي عمل اخر يهدف للكشف العام عن الصحة او يهدف للوقاية من الامراض فهو بمثابة عمل طبي .

Untitled Project

اختلفت التعاريف المسنودة للخطأ الطبي, حيث تم تعريفه بانه التقصير والاهمال الذين ينتجان عن الطبيب اثناء تأديته لعملة, والمخالفة للاصول العلمية المثبتة لمهنة الطب

اي يمكن اعتباره بانه تقصير في سلوك الطبيب او اخلال الطبيب للقواعد المتعارف عليها في مهنته, ولم يقم المشرع المغربي بتحديد انظمة خاصة لمفهوم الخطأ الطبي او حتى تحديد مسؤوليته, ويعتمد في الحكم فيها عن طريق المسؤولية العقدية او التقصيرية الموجودة في قانون الالتزامات والعقود, واعطى تعريفا وقواعد تحكم الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما .

كثرة الاخطاء الطبية

في ظل غياب وجود اي احصائية تدل على الاعداد الصحيحة لكمية الاخطاء الطبية التي تحدث في المغرب, فيكون من الصعب الاقرار بوضعية الاخطاء الطبية, لانه في السابق لم يكن احد يهتم في مقاضاة المسبب بالاخطاء الطبية نظراً لانهم كانوا يؤمنون بالاقدار المكتوبة وبان هذا الخطأ قدر من الله ولا ضرورة لمتابعة المتسببين فيه.

الا انه في السنوات الاخيرة تنامت الاعلانات التي اوقظت الافراد من هذه الفكرة, وزادت الاعلانات التي تشير الى الحالات الطبية الخاطئة التي تكون بسبب الطبيب, بعد ان اصبح المواطن المغربي يمتلك نظرة قانونية ووعي زائد في هذه الامور, واصبح يطالب بجودة العناية الصحية المقدمة اليه

طبيب

اسباب الاخطاء الطبية

تتنوع الاسباب ولكن النتيجة واحدة, فالاخطاء الطبية هي نتيجة لافعال يرتكبها الاطباء سواء كانت متعمدة ام غير متعمدة.

واحدة من ابرز الاسباب التي تؤدي الى الخطأ الطبي هو الاهمال عند الطبيب والسرعة في اداءه وعدم الدقة في ممارسة عمله دون ايلاء المريض اي اهمية, كاهمال الطبيب لتعقيم ادواته الجراحية قبل المباشرة بعمليته, واهمال الطبيب لمعالجة الحالات الطارئة, وغيرها

وينصب تركيز كبير حالياً على رغبة الاطباء في تحويل العمل الطبي الى عمل تجاري بغية جني الاموال, حيث يقول احد الاطباء ان مشكلة الاخطاء الطبية تبرز نتيجة سعي الاطباء للربح المادي, حيث يمكن ملاحظة وجود اطباء موظفين في المستشفيات والقطاعات العامة ولكن يمارسون مهنتهم ايضاً في القطاعات الخاصة مع تجاهل وجود نص قانوني يمنع هذه الازدواجية في العمل, مما يسبب عدم القدرة على التركيز والدقة في اداء العمل الطبي بشكل مناسب بسبب التعب الجسدي والنفسي, مما يوفر بسهولة طريق للوقوع في الخطأ الطبي.

وفي معظم الاحيان يكون سبب الاخطاء الطبية هو عدم التزام الاطباء بالاسس المهنية والعلمية اثناء اداء واجبهم المهني , والتقصير في اداء الواجبات المنسوبة اليهم في الوقت والطريقة المناسبة, او عدم تواجد الخبرة الكافية ليقوم الطبيب بالتشخيص السليم للمرض, فتتفاقم المشكلة و يؤدي الى الوقوع في الخطأ, او اتخاذ اجراءات غير مناسبة, او صرف دواء خاطئ للمريض فيوقع المريض في مشكلة اكبر ,

كما انه من الممكن وجود مشاكل شخصية بين الطبيب والمريض, لكن على الطبيب ان يفرق بين الحياة الشخصية والحياة العملية, ويضع الحياة العملية في المرتبة الاولى

المسؤولية الطبية في القانون المغربي

ان الطبيب لا يمكنه ان يضمن شفاء مريضه بشكل كامل, ولكنه عليه ان يحقق كل ما يستطيع فعله ليحقق هذا الهدف, اي ان الطبيب عليه ان يلتزم بتقديم الخدمات الطبية اللازمة للمريض .

وتنقسم المسؤولية الطبية عموماً الى

  • مسؤولية ادبية: وهي المسؤولية التي لا يوجد لها اي جزاء قانوني, ولكن تنبع من داخل الضمير الانساني.
  • مسؤولية قانونية: وهي مسؤولية يوجد لها جزاء قانوني حسب نصوص القانون, وتتحقق عند مخالفة احد نصوص القانون وتقسم الى مسؤولية مدنية ومسؤولية جنائية.

ان قيام احد المسؤولين لا يتعارض مع الاخرى, فقد يترتب على الطبيب قيام مسؤولية مدنية وجنائية في الوقت ذاته, او قيام مسؤولية جنائية دون المدنية اذا لم يلحق الفعل ضررا للغير, او قد يلحق به مسؤولية مدنية دون الجنائية اذا سبب الفعل ضررا للغير دون ان يقوم باي عمل من الاعمال المعاقب عليها في القانون الجنائي, كسوء العلاج الطبي

20180926 1537990324 711990

المسؤولية المدنية للطبيب:

يكون فيها الطبيب قد أخل بالتزام مقرر في ذمته وترتب على هذا الاخلال ضرر للمريض، فيصبح بالتالي مسؤولا تجاه المريض وملزما بتعويضه ماديا عما أصابه من ضرر.

نص عليه القانون المغربي في الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود “كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضررا مادية أو معنويا للغير التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا تبين أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر. وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر” والفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر، والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد لإحداث الضرر

للاطلاع على قانون الالتزامات والعقود يمكنك زيارة الرابط:

https://rnesm.justice.gov.ma/Documentation/MA/4_ONC_Law_ar-MA.pdf

شروط قيام المسؤولية المدنية للطبيب:

لا بد من توفر 3 شروط في الخطأ الطبي لتتحقق المسؤولية على الطبيب وهي:

1- ان يكون الطبيب قد اقترف خطئاً طبياً بالفعل, وبمعنى اخر قيامه باي فعل قد يسبب ضرر معين لمريضه.

2- ان يكون هذا الخطأ قد سبب ضرراً للمريض, بمعنى اخر ان يكون هذا الضرر اما في نفسه او في ماله او في عمله او قد يكون على هيئة ضرر معنوي, حيث تم تعريف الضرر بانه كل ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب عندما ينتجان عن عدم الوفاء بالالتزام.

3- قيام علاقة السببية بين الخطأ الطبي والضرر. من الضروري ان يكون هناك رابط بين الخطأ الطبي الذي قام به الطبيب والضرر الذي اصيب به المريض, اي يجب ان يكون الخطأ الذي قام به الطبيب مسؤول بشكل مباشر عن تسبيب الضرر للمريض

ecd5deb964851f9a45bb5913af128bee

المسؤولية الجنائية للطبيب:

تتحقق عندما يرتكب الطبيب خطئا ويشكل جرما يعاقب عليه القانون, ويترتب عليه جزاءً جنائي محدد ينصه القانون.

وبالرجوع الى القانون الجنائي المغربي المادة 432, فان “الطبيب الذي قام بارتكاب خطأ طبي الناتج عن عدم التبصر او عدم الاحتياط او الاهمال او عدم مراعاة الانظمة القانونية المرتبطة بمهنة الطب, وادى الى قتل غير متعمد, يعاقب عقوبة قد تصل لمدة 5 سنوات” والمادة 433 “الطبيب الذي قام بارتكاب خطأ طبي ناتج عن عدم التبصر او عدم الاحتياط او الاهمال او عدم مراعاة الانظمة القانونية المرتبطة بمهنة الطب, وادى الى جرح غير متعمد او اصابة او مرض وينتج عنه عجز, فيعاقب بعقوبة قد تصل الى سنتين.”

ولا يؤخذ بهذه العقوبة الا في حالة توافر الركن المادي, التي تكون نتيجة غير متعمدة, لذلك ان وفاة المريض او حصوله على شهادة تثبت تعرضه لخطأ طبي سبب له جرح او اصابة او مرض واثر على سلامته , تثبت مسؤولية الطبيب الجنائية اي انه تم توافر الركن المادي.

نرى الصور التي تتمثل فيها قبام المسؤولية الجنائية للطبيب, وهي:

1- حالة عدم التبصر: وتعني نقصان المهارات الطبية, كأن يقوم الطبيب بعملية جراحية للمريض دون مساندة من قبل طبيب مختص في التخدير

2- عدم الاحتياط: عدم اتخاذ الاجراءات اللازمة, كان يقوم الطبيب بعمل طبي وهو مدرك لمدى خطورته

3- الاهمال: كان يقوم بعلاج شخص دون ادنى انتباه للامراض الاخرى التي يعاني منها والتي قد تؤثر على مسرى العلاج عكسياً

4- عدم مراعاة الانظمة القانونية لمهنة الطب

للاطلاع على القانون الجنائي المغربي يمكنك زيارة الرابط:

https://www.efi-rcso.org/sites/default/files/2021-03/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A-2019.pdf

نماذج عن الاخطاء الطبية:

  • الاخطاء الفادحة/ اخطاء ناجمة عن عدم التبصر: وهي الاخطاء التي لا يمكن للطبيب ان يقع فيها وناشئة عن شدة اهمال الطبيب لمريضه, وتكون واضحة للمحكمة وليست بحاجة الى اطلب اجراء خبرة طبية تكون على سبيل نسيان شيئ ما بجسم المريض اثناء قيامه بعملية, او نزع عضو سليم, او اصابة عضو سليم بضرر, ويصعب دفع المسؤولية عن هذا النوع من الاخطاء.
  • الاخطاء العلاجية: وهي قيام الطبيب بوصف دواء او سلوك علاجي خاطئ للمريض, ويقوم هذا السلوك العلاجي بمضاعفة صحية لما يعاني منه المريض ولا يؤدي الى علاجه او تحسنه.
  • افشاء الاسرار المهنية: افشاء اي سر من اسرار المريض الصحية التي قد لا يرغب في ان يعرف عنها اي احد, ويترتب عليه مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية
  • الاخطاء الطبية في عمليات التجميل: كثرت في الاونة الاخيرة الاخطاء التي تنتج عن عمليات التجميل واما تؤدي لعاهات , ووجب تعويض المريض اما تعويض عيني او نقدي
  • اخطاء التشخيص: هي اخطاء ناتجة عن تشخيص المرض بشكل خاطئ, وخصوصاً اذا لم يقم المريض بالنظر والتحقق من التحالا او الصور الشعاعية المطلوبة.
  • الخطأ في التخدير: تظهر مسؤولية طبيب التخدير اما في اعطاء جرعة مخدرة زائدة للمريضة نتيجة اهماله لان اي خطأ صغير او مضاعفات قد يؤدي الى موت المريضة.
  • الخطأ الطبي اثناء العملية الجراحية: مهمة الطبيب لا تتوقف في حدود العملية وشفاء المريض بل يجب أن يستمر في العناية بالمريض إلى حد الشفاء التام والسماح له في النهاية بالمغادرة ويكون الطبيب مسؤولا عن اي مضاعفات تحدث للمريض بعد العملية في حالة خطئه, ولا يتم اثارة هذا النوع من الاخطاء الى ان قام الطبيب بارتكاب فعل خارج عن القواعد الفنية لمهنة الطب حتى لو كانت فشلت العملية لاحقاً

خاتمة

مع تطور الانظمة الطبية والتطورات التي يشهدها علم الطب يومياً تزداد معها وتيرة الاخطاء الطبية لاسباب متعددة, واصبح يشكل موضوع الخطأ الطبي وتحديد المسؤولية القانونية على الطبيب امراً هاماً الكثير من الافراد , لضمان حقوقهم ومعرفة التزاماتهم.

معلومات قد تفيدك في المجالات القانونية 5 شروط لاستحقاق الحضانة في القانون المغربي.. ما هي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *